مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2018-12-06

هل أصبحنا عملاء لا شعوريين؟


من أجمل ما قرأت أن بعد انتهاء حرب امريكا مع كوريا قام الجنرال وليام ماير المحلل النفسي في الجيش الامريكي بدراسة واحدة من اعقد قضايا تاريخ الحروب في العالم فقد تم اسر وسجن حوالي الف جندي اميركي في تلك الحرب في كوريا وتم وضعهم داخل مخيم تتوفر فيه كل مزايا السجون من حيث المواصفات الدولية. فهذا السجن كان مطابقا للقوانين الدولية من حيث الخدمات المقدمة للسجين ومن حيث معاملته. وهذا السجن لم يكن محصورا بسور عال كبقية السجون بل كان يمكن للسجناء محاولة الهروب منه الى حد ما، والاكل والشرب والخدمات متوفرة بكثرة، وفي هذا السجن لم تكن تستخدم اساليب التعذيب المتداولة في بقية السجون.
 
ولكن التقارير كانت تشير الى عدد وفيات في هذا السجن اكثر من غيره من السجون، وهذه الوفيات لم تكن نتيجة محاولة الفرار من السجن لأن السجناء لم يكونوا يفكرون بالفرار بل كانت ناتجة عن موت طبيعي! الكثير منهم كانوا ينامون ليلا ويطلع الصباح وقد توفوا! رغم أن علاقتهم ببعضهم كانت علاقة صداقة مع  اختلاف درجاتهم ورتبهم العسكرية وحتى علاقتهم بسجانيهم كانت علاقة ودية !
لقد تمت دراسة هذه الظاهرة لعدة سنوات وقد استطاع ماير أن يحصل على بعض المعلومات والاستنتاجات من خلال هذه الدراسة :

1- كانت الرسائل والأخبار السيئة فقط هي التي يتم ايصالها الى مسامع السجناء اما الاخبار الجيدة فقد كان يتم اخفاؤها عنهم.

2- كانوا يأمرون السجناء بأن يحكوا على الملأ إحدى ذكرياتهم السيئة حول خيانتهم او خذلانهم لأحد أصدقائهم او معارفهم.

3- كل من يتجسس على زملائه في السجن يعطى مكافأة كسيجارة مثلا والطريف انه لم يتم معاقبة من خالف الضوابط وتم العلم بمخالفته عن طريق وشاية زميله في السجن وهذا شجع جميع السجناء للتجسس على زملائهم لأنهم لم يشعروا بتأنيب لضميرهم نتيجة تجسسهم.
وهكذا اعتاد جميع السجناء على التجسس على زملائهم والذي لم يكن يشكل خطرا على أحد. لقد كشفت التحقيقات ان هذه التقنيات الثلاثة كانت السبب في تحطم نفسيات هؤلاء الجنود الى حد الوفاة :
 
-1 الأخبار المنتقاة ( السيئة فقط ) كانوا يفقدون الأمل بالنجاة والتحرر.
 
-2 حكايتهم لذكرياتهم كالخيانة أو التقصير امام الملأ والعموم ذهبت باحترامهم لأنفسهم واحترام من حولهم لهم.
 
-3 تجسسهم على زملائهم قضى على عزة النفس لديهم ورأوا انفسهم بأنهم حقراء وعملاء.
وكانت هذه العوامل الثلاثة كفيلة بالقضاء على الرغبة في الحياة ووصول الانسان لحالة الموت الصامت.
 
وهذا تماماً حالنا اليوم أو على أقل تقدير يشبه جوانب من حالنا، فيكفي أن نفتح أحد الجرائد اليومية أو أياً من برامج التواصل الإجتماعي، لترى أن غالب ما نقرأه أو نراه أو نسمعه هي أخبار سيئة، حتى أن الواحد منا يشعر أن الجميع أصبح عميل لا شعوري يعمل للغرب من حيث لا يعلم، فبتنا لا نقرأ او نسمع او نرى سوى حكايات الفساد، وإرتفاع الأسعار، والضرائب، والقتل والسرقة والخدمات السيئة، والتزوير والرشاوى، والبطالة وتسريح العمال .. وقائمة طويلة جداً يصعب حصرها. وأصبح دورنا هو تقبل هذه الظاهرة، بل والعمل على نشرها كما يريد الآخر منا، ونسيان الجوانب المضيئة في حياتنا وما أكثرها.
ولا شك أن القرآن الكريم الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وبينها ومعها سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قد بينا لنا علاج أمثال هذه الظاهرة. 
 
   
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع).. علينا حماية أنفسنا من ضرر الأخبار السلبية المحبطة والشائعات المغرضة والمفزعة التي نقف أمامها عاجزين غير قادرين على تغييرها، لاسيما عند تصفح بعض مواقع الأخبار ووسائل التواصل الإجتماعي، التي أصبح منها من يسعى لنشر الخبر بأساليب لها مقاصد خبيثة، او بهدف رفع مستوى المشاهدات والمتابعين، أصبح الغالب يركز على الجوانب السلبية متجاهلين الأخبار المفرحة مما تسبب ذلك في إصابة البعض لنوبات الهلع، والاكتئاب، والخوف والقلق !!
في اعتقادي أنه لا مفر من متابعة الأخبار والمستجدات التي قد تصاحبها السلبية، إنما يجب إختيار مواقع مناسبة نواياها سليمة لا تستهدف فئة على حساب الأخرى، يجب تصفية المواقع واختيار قنوات ترفيهية ومتابعة للمستجدات بنفسية إيجابية دون التعمق فيها، يجب السيطرة على نوعية وكمية الأخبار والمعلومات التي تتيحها المصادر الإخبارية وعدم متابعة السىء منها كي لا نشارك في نشر الباطل ونحفز أصحابها على الإستمرار.. 
انها عوامل قد تساعد أو تخفف من تأثير حده الضغوط والعوارض المصاحبة لنا عند سماع او قراءه المستجدات السلبية على الساحة، لن نكون عملاء لها ورهينة نقف عاجزين مكتوفي الأيدي أمامها حتى تتمكن من السيطرة علينا وتدميرنا وتدمير مجتمعاتنا فيحدث ما لا يحمد عقباه.
 


ارشيف الكاتب

اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره